دياب يتصرف على قاعدة "القوة في الضعف"

دياب يتصرف على قاعدة "القوة في الضعف".. هل يصبح عضوا بنادي رؤساء الحكومة السابقين؟

  • دياب يتصرف على قاعدة "القوة في الضعف".. هل يصبح عضوا بنادي رؤساء الحكومة السابقين؟

عربي قبل 4 سنة

دياب يتصرف على قاعدة "القوة في الضعف".. هل يصبح عضوا بنادي رؤساء الحكومة السابقين؟

تحت عنوان الحكومة.. ولعبة الروليت الروسية، كتب نبيل هيثم في "الجمهورية": إذا كان العقل البشري يعجز عن استيعاب ما حلّ بلبنان منذ ليل 17 تشرين الأول الماضي، فإنّ أعتى عقل الكتروني في العالم يعجز عن فهم المنطق السياسي في البلاد.

 

بعد 90 يوماً على انفجار الغضب الشعبي، وعلى مسافة أسابيع من المواعيد التي حدّدها خبراء الاقتصاد والمال حول الدخول الحتمي في مرحلة الانهيار الاقتصادي، لا يزال النقاش الحكومي يدور ضمن حلقة مفرغة من التسميات من "التكنوقراطية" و"التكنوسياسية" و"السياسية"، إلى آخر تلك التسميات التي تعكس حالة العبث، التي جعلت أحدهم يجتهد في التوصيفات المقترحة مفرّقاً بين "حكومة اختصاصيين" و"حكومة مختصين"! واذا كان العبث بات سمة ثابتة عند السياسيين في لبنان منذ زمن، فالخطير في الأمر أنّه بات وباءً لم يعد أحد محصناً منه، إلاّ قلّة لا حول لها ولا قوة.

 

هو العبث المنسحب على "الحراك الشعبي" الذي بالغ، منذ البدء، سواء عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة، في الذهاب بعيداً نحو شعارات طوباوية، تتماهى مع شعار "كن واقعياً وأطلب المستحيل"، فراح يفقد البوصلة تدريجياً، ليغرق هو نفسه في مستنقع اللعبة السياسية، من حيث يدري أو لا يدري، فصارت المطالبات الأولية، التي أنزلت الناس إلى الشوارع، مطالبةً بالاصلاح الاقتصادي، ومعلنةً الحرب على الفساد.

 

هذا تماماً ما جعل ديناميات الحراك الشعبي نفسه، تفقد زخمها، برغم آحاد "الغضب" و"الاصرار" و"التحدّي". إلى آخر هذه التسميات، المستوحاة من تسميات "الربيع العربي"، ولا سيما في نموذجه الأكثر كارثية (سوريا)، لينتهي الأمر من "مليونيات" في الساحات والشوارع، إلى مجرّد مراهقات ثوريّة، تطارد هذا المسؤول أو ذاك في مطعم أو مقهى.

 

امتداداً لحالة العبث الوبائي، يأتي التعامل الرسمي ـ وإلى حد ما الشعبي- مع النزف المستمر في الليرة اللبنانية، والذي تبدّى في بلوغ سعر الصرف عتبة الـ2500 ليرة للدولار الواحد، ليعكس ملامح الكارثة الاقتصادية المحدقة، ويُسقط آخر أوراق التوت عن عورة الاقتصاد اللبناني.

 

يوم كُلّف حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، كان البعض يأمل في أن يفتح سوق القطع على "صدمة إيجابية" تُنزل الدولار عن عرش الألفي ليرة لبنانية. لكنّ التوقعات خابت، ربما لأنّ أصحابها تجاهلوا عنصرين أساسيين: الأول، هو أنّ الصدع في الثقة بالطبقة الحاكمة اتسع إلى درجة لم تعد ينفع معها الترقيع. والثاني، هو أنّ أي حكومة، حتى ولو شُكّلت، لن تكون قادرة على الحكم، طالما انّ ثمة من اختار وضع العصي في دواليبها، مختاراً لغة الشارع والتعطيل، بديلاً للمؤسسات الدستورية ـ على عللها ـ والمساهمة في الانقاذ.

 

الأيام الثلاثون التي تلت التكليف جاءت لتكرّس ما سبق. بُشّر اللبنانيون بـ"عيدية" حكومية قبل رأس السنة، فجاءت تلك العيدية مزيداً من التعطيل سياسياً، ومزيداً من الـ"كابيتال كونترول" مالياً، والذي لم يعد يطاول سوى صغار المودعين، اللاهثين وراء مئتي دولار أسبوعياً من حساباتهم، علّهم يظفرون بها، ليذهبوا بها إلى الصرّاف، فيحاولون بها تقليل الأثر الكارثي للارتفاع الجنوني في أسعار السلع.

 

هو البؤس في حد ذاته، الذي حوّل الرخاء النسبي الذي تمتعت به الطبقة الوسطى، وهي تسير تدريجياً على طريق الانقراض خلال السنوات الماضية، أو قُل سخرية القدر التي جعلت جدل الفلسفة الاقتصادية يتحوّل من «خيار هانوي أو هونغ كونغ» في التسعينيات، إلى «خيار الصومال» في المرحلة الحالية.

 

الغريب في الأمر، أنّ ثمة من تحوّلت الرفاهية لديه إدماناً، والمقصود بذلك الرفاهية السياسية، التي جعلت ملف التأليف الحكومي في غيبوبة حالياً، بعدما عادت الشؤون الحكومية ليس إلى النقطة الصفر فحسب، بل إلى ما دونها بكثير، لتنحرف بكافة وجوهها من شعار "الانقاذ" إلى اللعبة التقليدية التي تقود البلد إلى الخراب، الذي باتت المسافة إليه تقاس بالأيام.

 

في لعبة الموت، التي تتجاوز في شكلها خطورة "لعبة الروليت الروسية"، يتقاذف اقطاب السياسة اللبنانية كرة النار فوق براميل ساخنة في شارع على قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار الشامل، لتحرق ما تبقّى من أسس يمكن الارتكاز إليها في الخروج الصعب من الأزمة الاقتصادية.

 

من تلة القصر الجمهوري تُرمى كرة اللهب إلى تلة الخياط، لترمى من تلة الخياط إلى تلة بعبدا مجدداً، في وقت يقف أحدهم عند تلة كسروانية، وثانٍ عند تلة شوفية، وثالث عند تلة باريسية، مترقباً الحريق الكامل الذي يمكن أن يعيده مجدداً إلى حلبة المصارعة على الطريقة الرومانية القديمة، غاسلاً يديه من دماء هذا الشعب الصدّيق.

 

الغريب في الأمر، أنّ اللعبة باتت تدور بعيداً عن أيّ قواعد حاكمة، فإذا كان مفهوماً ـ وغير مبرر في آن ـ أن يبني رئيس الجمهورية، ومعه جبران باسيل، على نقاط ارتكاز سياسية، تجسّدها حيثية برلمانية وشعبية (ولو متضائلة قياساً إلى مرحلة ما قبل 17 تشرين الأول)، فإنّ رئيس الحكومة المكلّف يتصرف تماماً على قاعدة "قوة دياب في ضعفه" التي ستقوده عاجلاً أم آجلاً إلى مجرّد عضو في نادي رؤساء الحكومة السابقين.

 

 

التعليقات على خبر: دياب يتصرف على قاعدة "القوة في الضعف".. هل يصبح عضوا بنادي رؤساء الحكومة السابقين؟

حمل التطبيق الأن